الأثر النفسي للكلمة
"1-2"
الشاعر والنفساني السر دوليب: جِدالعذر لغيرك يرتاح ضميرك
أم درمان - خالدة ود المدني
صحيفة اليوم التالي
13نوفمبر 2014 م
******
ومحمد يوسف موسى قال:
"تخاصمني علشان بس كلمة ياما نظمت فيك كلام..
لو في الكلمة انا غلطان.. ياما انت قسيت وغلطت
ياما قلت وياما قلت.. لو ارضيت بكلمة فؤادي
علشان خاطرك استحملته
علشان بهواك بشوفه رقيقة.. كلمات جارحة بيها نطقته".
ناعمة كالحرير تقرب القلوب وتذهب حزنها تسر سامعها لا تخدش النفس
ولا تؤذي المشاعر، إذ قال عنها أبو آمنه حامد:
"وشوشني العبير فانتشيت
وساقني الهوى فما أبيت"
يا لوقعها في نفس المستمع.
وتأتي أخرى تدوي روياً على المساء مع وتبعث بالغضب في الدواخل جارحةً للفؤاد جالبةً
له التشاؤم وقبيحة في مسماها. إذن، فالرجاء الانتباه، فسبب كل ذلك محض كلمة.
أثر الكلمة
الكلمة وسيلة التواصل بين الناس كما قال الدكتور والاستشاري في علم النفس بجامعة
الأحفاد والشاعر (السر دوليب): تعبر الكلمة عن ما بداخل الإنسان من أحاسيس ومشاعر
وقبل خروجها تخطر بذهن المتحدث عدة أشياء. ويكون أثرها على المستمع مختلفاً من
شخص لآخر وتحدده العلاقة بينهما.
علينا بالتأمل قليلاً قبل خروج الكلمة حتى ينشط الفكر ويستطيع الإنسان السيطرة على
أقواله وكثير من المشاكل تبدأ بكلمة وتختم بجريمة أو مقاطعة أو نتائج غير متوقعة،
لذلك لا نستعجل في الكلام، فالكلمة مؤثرة على المستمع سلبية أو إيجابية، والمدخل
المتصل بالشعور والتأكيد عليه أن لا تتحدث وأنت غضبان، الأفضل أن تصمت لكي لا
يمتد الحديث ويصبح مشاجرة، ومراقبة الكلمة الصادرة مهم، وعلى المستمع عدم
الاستعجال في الرد حتى لا يقع في خطأ الأول، ويتأكد مما يقوله ويسمع للنهاية دون
مقاطعة، فهنالك حديث من شقين نصفهما سلبي والثاني إيجابي، استمع لإكمال المعلومة
ولا تهاجم، تعلم ثقافة الحوار وانتقاء الكلمات السليمة حتى حينما تعاتب شخصاً أو تتناقش
معه. أما إذا أردت مساعدته تحدث إليه لوحده لكي يطمئن ويتكلم بحرية وهذا الفرق بين
المساعد العادي والمرشد النفسي.
واستطرد: الإرشاد النفسي يحتاجه غير المريض لكي لايدخل دائرة المرضى النفسيين،
في المدارس أدخلنا فكرة وجود مرشد نفسي للطلاب، وكانت ناجحة، ويجب علينا التوعية.
البغض خطر داهم
يقول (السر دوليب): درست في الجامعة الامريكية ببيروت وكنت أريد دراسة الإنجليزي،
لكنني تخصصت في علم النفس رجعت وأسست قسم الإرشاد النفسي في جامعة الخرطوم،
ومنها للتجاني الماحي، وأخيراً بجامعة الأحفاد للبنات. ويضيف: كتاباتي مزيج من الفصحى
والعامية المثقفة، وهي الأقرب إلى المستمع تصل إليهم بسهولة، وترفع من مستوى التخاطب
الشعبي، منحتني الدولة وسام الآداب والفنون، ونلت الدكتوراه الفخرية في جامعة الأحفاد
وأضاف الشعر موهبتي قبل التخصص، فهما وجهان لعملة واحدة في كلاهما مخاطبة للأحاسيس
والمشاعر سراً وعلانية، في الحالتين أغوص في دواخل النفوس لفك طلاسمها عاطفياً أو
علاجياً ويكون الشعر أحياناً نوعاً من العلاج، حيث أنه يتضمن معاني وقيماً تساعد المريض
النفسي في علاجه مثلاً كلمة مسامحك يا حبيبي السماح درجة صعبة لا يمتلكها كل الناس،
ترقى بصاحبها وتبعد بينه والبغضاء، وهي من أخطر أمراض القلب، فالمسامح كريم.
وغضبك في كلامك
وفي ذات السياق، يقول: نلتمس الأعذار للآخرين. فسألته إن كان غير المحبوب يجد مساحة
للسماح المطلق بهذه الكلمات الرائعة!! فكان رده: السماح سلوك يكتسبه الشخص من حوله
ويكون من صفاته والعامل الوراثي له دور كبير في كل الصفات، كن متسامحاً مع نفسك أولاً،
وبالتالي تستطيع مسامحة الجميع، فالشخص المسامح يقل أعداؤه وتمتلئ روحه بالتفاؤل
والنظرة البيضاء للحياة ولا يفسر الأشياء بالظنون غير الواقعية، وكما أسفلت جد الأعذار
لغيرك يرتاح ضميرك، وتبعد عن القلق النفسي، الكلمة لها أثرها البالغ عند المستمع.
:::::****::::
الأثر النفسي للكلمة
"2- 2"
الشاعر والنفساني السر دوليب: مسامحك يا حبيبي مهما قسيت عليّ
****
يواصل الشاعر الكبير السر دوليب، ما انقطع من حديثه معنا في حلقة أمس، قائلاً:
كثير من الناس عندما يلتقون بي يرددون مسامحك يا حبيبي، فأرد عليهم: لهم نعم
"مسامحك يا حبيبي
مهما قسيت علي: قلبك عارفو أبيض
وكلك حسن نية"
إلى
"ما من جوه قلبك كلو على لسانك".
ويضيف: بالرغم من مرور عقود على تلك الكلمات فإنه لا يزال لها وقعها عند المستمع،
فهي من أوائل القصائد التي كتبتها، ويستطرد: كل كتاباتي تعبر عن مشاعري الصادقة،
ولم أكتب في حياتي من أجل الكتابة فقط، بل من أجل التعبير عن نفسي.
كلمة تقلب حياتك كلها
يواصل (دوليب) معظم أشعاري تغنى بها الفنان عثمان حسين لأني أحس الصدق في غنائه،
فالكلمة مؤثرة في حياة الشخص العاطفية وكذلك العملية والاجتماعية وربما سماعك لكلمة
واحد يجعل كل حياتك تنقلب رأساً على عقب وربما واحدة أخرى تدفع بك إلى النجاح أو
العكس تماما تدمر أفكارك وتصيبك بالإحباط، أو ثالثة ورابعة تجعل منك مجرماً أو توقعك
في أخطاء كبيرة.
كلمة تسوقك إلى الحب سوقاً
يمضي بنا دوليب بصفتيه السالفتين، فيقول: كلمة واحدة تسوقك إلى الحب والمحبة، وثانية
إلى الحقد والكراهية، لذلك يجب علينا الحذر عند الكلام والتأمل قليلاً، وأن لا نستعجل الرد
ونصمت إذا دعا الأمر، ففي الصمت حديث ضمني، وإذا جرحنا أحداً بالكلام علينا أن نبادر
بالاعتذار فهو يخفف أثر الجرح، والاعتذار خطوة شجاعة نحو التسامح، فإذا كان لا يوجد
(كنترول) على المشاعر فليكن على الكلام، ومن الكلمات ما يرضي النفس (كلمة كانت منو
حلوه) (كلمتي المست غرورك) وكثير من الكلمات وكل سامع يفسر على هواه.
كلمات في الصميم
"ما بصدقكم لو قلتو حبيبي سلاني
ودع حبو ونساني
ده حبيبي الروح بالروح".
إنها كلمات تشير إلى الثقة المفرطة بين الطرفين فلا مكان للحاسدين الوشاة. ويواصل
(دوليب) مرافعته الرائعة ويمضي بنا إلى:
"غرامنا أحلى غرام
مابطولو أي حسود زايد مع الأيام
وتصونه أغلى عهود..
حبيبي العهود راعيها
مهما الزمن طال بيها
لو قلتو لي ناسيها ما بصدقكم"
أليست هذه كلمات في الصميم.
الاعتذار والخوف
"اعذريني الدمعة إيه حتبقى آخر دمعة ليا..
تاني لو قربت منك يبقى ليك الحق علي
ولو بكت منك عيوني
سا محيها واعذريني"
وقال في الخوف
"بخاف اسأل عليك الناس وسر الريدة بينا يذيع"
وقالوا في الصمت:
"ياريتني لو أقدر أقول
فيك الكلام الما انكتب وأجلي المقاطع بالدهب"
وفي البكاء:
"لكنه حين بكى حنيناً.. بكيت من رقتو بكيت".
لغة العيون
"وقد كنت أعلم أن العيون تقول الكثير المثير الخطر
فعلمتها كيف تخفي الحنين تواريه خلف جدار الحذر".
وقيل في البعاد والشوق:
"أنا والأشواق في بعدك بقينا أكثر من حبايب
ما بنغيب عن بعض أبداً زي أعز اثنين قرايب"
ثم تأتي الآهات:
"آه آه يا حلو يافرحة أيامي العِلو".
في العتاب:
وإلى ذلك كله يظل العتاب أمراً قائماً بين المحبين والأصدقاء والزملاء:
"ياما جيناك وياما بابك
لو بحس دقات قلوبنا كان حكالك..
كان بكالك.. نحن ما ناسك"
ويظل الرضا مطلوباً
"عافية منك وراضية عنك يا جنايا"
كما تظل الخيانة موجودة :
"حليل حبيبي الكنت راجية أربع سنين صادق في ريدو
كان أملي بيهو أنال مرادي
كان ذنبي ايه تقصد عذابي
وتحد مني من لحظة لقانا
وتهون عليك عشرة سنين
تنساني يا خائن الأمانة".
وطالما أن الخيانة فعل موجود في هذه الحياة، لذلك فلنستدعي كلمات الاعتذار
والتسامح، لنخفف بهما على أنفسنا في سبيل العيش المشترك بحب.
::::2/2::::